ادعمنا

قانون شرعنة المستوطنات الإسرائيلي - Israeli Settlement Legislation Law

من المتعارف عليه عامةً في إصدار القوانين أنها تأتي لتنظيم وتسهيل عمل معين وضمان حقوق ومسؤوليات الأفراد وواجباتهم، إلا أن هناك بعض القوانين التي تصدر بشكل متطرف تجاه جماعات أقلية و/أو عرقية بهدف تهويد وجودهم أو أراضٍ معينة لتقويض ملكيتها، ويكون أشبه بالسرطان المتنامي على بقعة أرضية متنازع عليها منذ أقدم السنين، هذا هو الحال لما يسمى قانون شرعنة المستوطنات الإسرائيلي، الذي يعرف بمسميات ومفاهيم متعددة كلٍّ تتناسب ووجهته، بالنسبة للطرف الإسرائيلي، قانون تسوية الأراضي الاستيطانية في الضفة الغربية (اليهودا والسامرية حسب ما يسميه كيان الاحتلال) أو قانون تنظيم الاستيطان في الضفة الغربية، المسمى الأكثر شيوعاً له في الأوساط العربية هو "قانون تسوية الأوضاع"، لكنه لا يمت بأي صلة إلى تسوية الأوضاع المتوترة بين الطرفين

 

مفهوم القانون ونطاق تطبيقه

من الناحية التقنية، يهدف القانون إلى "تنظيم الاستيطان في الضفة الغربية والسماح للكيان الاحتلالي  بالاستمرار في الإنشاء والتطوير، ومصادرة أراضي الفلسطينيين الخاصّة التي بُنيت عليها مستوطنات في مناطق الضفّة الغربيّة، وتخصيصها للمستوطنين الإسرائيليين". وقد يكون الاسم الأكثر وضوحاً في الواقع هو "مشروع قانون نزع الملكية"؛ لأنه يشرع مصادرة الحكومة لأراضٍ مملوكة للفلسطينيين بأثر رجعي. إلا أن معارضي القانون يفضلون وضع الأمور في نصابها وإطلاق اسم أكثر صراحة وهو "قانون السرقة"، ذلك الذي يشرع للمستوطنين الاستيلاء على أراضٍ ليست لهم. هذا القانون فقط يُطبق على الضفة الغربية وشرق مدينة القدس دون قطاع غزة، حيث هناك سياسات إسرائيلية أخرى تطبق عليه، مع العلم أنه كان هناك حزام مستوطنات في القطاع بما يقارب 21 مستوطنة وتم إخلاؤها في عام 2005.

جاء القانون بطريقة مسيّسة بعد سلسلة من الانتهاكات بحقوق وأراضي الفلسطينيين بدايةً من عام 1948 (عام النكبة، واحتلال واستيلاء على أراضي فلسطين وبداية مأساة الهجرة والشتات الفلسطيني) ومروراً بعام 1967 (عام النكسة، توغل قوات الإسرائيلية فيما تبقى من الضفة الغربية، قطاع غزة وشرق القدس) إلى تقنين جميع هذه الانتهاكات ضمن قانون يتخذ صبغة شرعية، وبدأ تطبيقه بأثر رجعي على أغلب الأراضي الفلسطينية. تكمن سياسة المستوطنات والضم الإسرائيلية في لبّ الصراع العربي الإسرائيلي، وغنيّ عن القول إن هذا الصراع، في جوهره، هو كل شيء عن الأرض، الذي يحصل على المزيد تكون له الضوابط وسيطرة أكبر. بمعنى آخر، الطرف الذي يسيطر على مساحات من الأرض أكبر يصبح أكثر قوة.

 

تقسيم اتفاقية أوسلو ومخططات استيلائية تهويدية

يتمحور أهم ما جاء في هذا الاتفاق، الذي عُقد عام 1995، حول تقسيم نطاق تطبيق القوة بين كل من الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، وتخفيف حدة النزاع بين الجانبين، وإنشاء 3 مناطق كل منطقة تحمل مسمى والسلطة المسؤولة عنها.
مناطق تقسيم (أ): تخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، وهي مناطق حضارية بشكل أساسي (مدن وبلدات)، مع صلاحية حفظ الأمن الداخلي وانتشار دوريات تابعة للجانب الفلسطيني.
مناطق تقسيم (ب): تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية لكنها خاضعة أمنياً للقوات الإسرائيلية، وهي قرى ومناطق ملاصقة للمدن الواقعة في المناطق (أ).
مناطق تقسيم (ج): تقع تحت سيطرة إسرائيلية وتواجد للجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالكامل؛ وتشمل المستوطنات والطرق والمناطق الاستراتيجية والمناطق المجاورة لحدود "إسرائيل"! وتعتبر المناطق (ج) موطناً لـ 150 ألف فلسطيني في أكثر من 500 مجتمع مدني أهلي، ونحو 325 ألف مستوطن إسرائيلي في أكثر من 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية

وتحتوي على 63٪ من الأراضي الأكثر خصوبة والغنية بالموارد الطبيعية في الضفة الغربية، ومعظم مساحة وادي الأردن الذي يحتوي على أكبر احتياطي أراضٍ (غير مأهولة) في الضفة الغربية وجزء كبير من مواردها الطبيعية. 

وبعد هذا التقسيم استطاع كيان الاحتلال استغلال الاتفاق بشكل أعمق وأعقد بطريقة تهويدية، بذريعة أمن مستوطنيه وسلامتهم في بؤره الاستيطانية، وعمل على خلق مخططات تهويدية لما تبقى من أراضٍ فلسطينية بين يدي أصحابها الشرعيين

مخطط E1: مخطط استيلائي على المنطقة الواقعة على تلال شرق مدينة القدس بين مستوطنة معالي أدوميم والقدس الشرقية، بالقرب من 3 قرى فلسطينية (عناتا، أبوديس وعيزرية) وهذه المنطقة تغطي 12000 دونم والشارع الرئيسي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها. والهدف الرئيسي من هذا المخطط هو الاستيلاء على الأراضي المجاورة لمستوطنة معالي أدوميم بغرض فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية وتقسيم الضفة الغربية إلى كيانين، كيان شمال مدينة القدس، والآخر جنوبها.

مخطط E2: تم إصداره بناءً على تشابه فكرة المخطط السابق، وبموجبه أعلنت الحكومة الإسرائيلية 1700 دونم، جنوب مدينة بيت لحم بالقرب من مستوطنة افرات، كممتلكات للدولة، وهدف المخطط هو فصل مدينة بيت لحم عن جنوب الضفة الغربية (محافظة الخليل)، وفصل جنوب الضفة بشكل عام (محافظتي بيت لحم والخليل) عن وسطها (محافظة القدس الشرقية وجزء الجنوبي من محافظة أريحا).4

 كذلك مخطط تقسيم مدينة الخليل، وقع كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1997 اتفاق الخليل (البروتوكول المتعلق بإعادة الانتشار في الخليل) والذي تناول إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في المدينة. بموجب الاتفاق، تم تقسيم الخليل إلى منطقتين: H1 و.H2  تم تسليم المسئولية عن الشؤون الأمنية والمدنية في المنطقة H1، حيث يعيش معظم سكان الخليل الفلسطينيين، رسمياً إلى السلطة الفلسطينية. أما بالنسبة للمنطقة H2، فقد احتفظت إسرائيل بمسؤوليتها عن المسائل الأمنية هناك، بينما تهتم السلطة الفلسطينية فقط بالشؤون المدنية المتعلقة بالسكان الفلسطينيين المحليين في هذه المنطقة. وتم تصنيف مدينة الخليل القديمة كجزء من H2.

 

الاحتلال الإسرائيلي والقانون الدولي 

تطرقت وما زالت جميع المواثيق الدولية إلى موضوع الاحتلال وحقوق وواجبات ومسؤوليات الدول المحتلة الواقعة على عاتقها على الأراضي المحتلة، حيث إنه يبدأ الاحتلال فعلياً منذ لحظة سيطرة جيوش الدولة العدائية على أراضي دولة أخرى أو جزء منها، في لحظات متواترة إما خلال الغزو أو بعد انتهاء حالة الحرب، وفقاً لما جاء في المادة 42 للوائح لاهاي لعام 1907، والتي تشير إلى "تعتبر الأرض محتلة عندما تخضع فعلياً لسلطة الجيش العدائي، ويمتد الاحتلال فقط إلى المنطقة التي أنشئت فيها السلطة ويمكن ممارستها عليها. ومن القواعد التي لمحت لها اتفاقية لاهاي الرابعة والواجب تطبيقها في حالة الاحتلال أهمها: حظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص أو ممتلكاتهم، وتحظر مصادرة الممتلكات الخاصة من قبل المحتل، كما منعت المادة 23 في بندها السابع من هذه الاتفاقية وبشكل خاص أي تدمير أو حجز أو استيلاء على ممتلكات الطرف الآخر في النزاع إلا إذا كان هذا الاستيلاء أمراً حتمياً لضرورات الحرب، وهذا ما يتبعه الاحتلال الإسرائيلي بأن كل مصادرة هي من ضرورات وجوده وكيانه. وجاء تأكيداً لهذه المادة، ما نص عليه الجزء الأخير من المادة 46 من ذات الاتفاقية "حقوق كل أسرة وشرفها، حياة الأشخاص والممتلكات الخاصة، كذلك المعتقدات والممارسات الدينية يجب احترامها ولا يمكن مصادرة الممتلكات الخاصة"، وغيرها من القواعد التي تقييد السلطة الاحتلالية ضمن بنود وشروط معينة والتي للأسف تخترقها سلطات الاحتلال

فالاحتلال يقوم على عاملين حسب ما نصّت عليه المادة 43 من ذات لائحة لاهاي وهما: الأول بحكم الأمر الواقع تختفي السلطة السابقة، والثاني إنشاء سلطة جديدة، وتشير بتفصيل "السلطة الشرعية التي انتقلت في الواقع إلى يد المحتل، تتخذ الأخيرة جميع التدابير والإجراءات التي بوسعها لاستعادة وضمان سلامة النظام، سلامة العامة قدر الإمكان، مع احترام القوانين المعمول بها في البلاد“.

من خلال الإمعان بهذه المواد يتبين أن أي تعارض في تطبيقها يعتبر انتهاكاً للمبادئ القانونية الدولية السائدة، وهذا ما يقوم به قانون شرعنة المستوطنات الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر. ذكر ميثاق روما لمحكمة الجنايات الدولية ضمن مادة تحت مسمى جرائم الحرب، تعتبر جريمة حرب إذا قامت دولة الاحتلال بتدمير واسع النطاق على الممتلكات، لا تبرره  الضرورة العسكرية ونفدت بطرق غير شرعية وتعسفية.

كذلك ما جاء في المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 تحت عنوان "حظر التدمير"، "أي تدمير من قبل القوة المحتلة للممتلكات العينية والشخصية، ذات الانتماء الفردي أو الجماعي، سواء لأفراد أو للدولة أو لسلطات عامة أخرى أو إلى منظمات اجتماعية أو تعاونية يعتبر وفقاً لهذه الاتفاقية فعل محظور إلا للضرورة العسكرية“.

كان الاحتلال الإسرائيلي يقوم في السابق بالحجز على الممتلكات وتحويلها لمنفعة الدولة بشكل عام، ثم بدأ بسياسة المصادرة، فالحجز يعتبر وضعاً على الأرض وتعويض المالك بمبالغ مالية، في حين المصادرة تجريد ونزع ملكية الأرض من مالكها دون أي تعويض من الدولة. هذا القانون وضع أمام الملاك الفلسطينيين ثلاثة خيارات، إما إعطاؤهم أرضاً بديلة أو يتم تعويضهم 125% من قيمة الأرض أو شيكاً مفتوحاً بمبلغ يختاره المالك الفلسطيني. إلا أن الاحتلال -للأسف- أصبح يتبع أسلوب مصادرة الأرض دون إبلاغ المالك الفلسطيني بغية المصادرة أو دون أي تعويضات المذكورة.

ذكرنا خلال المقال مصطلحين: مستوطنة وبؤرة استيطانية، وهناك فرق جوهري بينها، والشيء الوحيد الذي يحدد هذه النقطة هو هل تعتبر مشروعة وفقاً لهذا القانون أم لا؟ مع أن مشروعية كلتاهما تصبّ في نفس القالب، إذ بعد فترة وجيزة يتم الاعتراف بمشروعية وجود كل منها بقرار من المحكمة الإسرائيلية، مجاهرةً أو تبطيناً،  ويترتب على ذلك حقوق لكل من قاطنيها. حيث إن المستوطنة تعتبر مشروعة وفقاً لهذا القانون وباقي القوانين الإسرائيلية الأخرى عندما يصدر قرار بمشروعية نشأتها وتأسيسها بعد اقتطاع عدد هائل من دونمات الأراضي الفلسطينية والبدء بتمكين الإسرائيليين من استحواذها بامتلاكها والبناء عليها

أما البؤرة الاستيطانية فهي مسمى آخر لكل مستوطنة غير شرعية البناء على الأراضي الفلسطينية، حيث تم اتباع أسلوب بناء هذه البؤر الاستيطانية بعد خوض كيان الاحتلال مفاوضات سلام مع الطرف الفلسطيني في التسعينيات، وكوسيلة احتجاجية وممارسة ضغط على الحكومة الإسرائيلية لمنع مثل هذه العمليات مع الأطراف الفلسطينية والعربية.

 في الخاتمة يعطّل هذا القانون منظومتيْ القضاء الشرعيتين الوحيدتين اللتين يعترف بهما القانون الدوليّ: القانون الإداريّ الذي يستند إلى المساواة أمام القانون، والقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان الدوليّة التي تنطبق على الأراضي المحتلة. ويضرب القانون بعرض الحائط حقوق الفلسطينيين الأساسيّة في الضفة الغربية ويتركها دون أي حماية قانونية، بحيث يمكن سلب الأملاك الخاصة لصالح المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.

المصادر والمراجع:

دويك موسى، المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة وقواعد القانون الدولي العام المعاصر، منشأة المعارف جلال جزى وشركاؤه، الإسكندرية، 2014

 

مقال بعنوان "ماذا يعني القانون الإسرائيلي الجديد للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية؟"، منشور على موقع الحدث، تاريخ الزيارة 2019/07/26، 9:30 مساءً.

 

 مقال بعنوان "مناطق (ج)"، منشور على موقع الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية  http://www.passia.org/maps/view/151بتاريخ 2019/07/22، 8:10 مساءا  


Abdallah, Sari. “Rethinking the Israeli Practices towards Immovable Properties (lands) in the Occupied West Bank and the Potential Role of the International Criminal Court Thereof.”, AAUP, Ramallah, 2017

 

Convention (IV) respecting the Laws and Customs of War on Land and its annex: Regulations concerning the Laws and Customs of War on Land. The Hague, 18 October 1907, article 42.

 

The Rome Statute of the International Criminal Court, signed on 17 July 1998, entered into the force in 1 July 2002, article “War Crimes” 8/2/a/iv.

 

Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War. Geneva, 12 August 1949. Commentary, of 1958, article 53.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia